قصة عن الكبت و التحرش الجنسي بالمغرب


بعد أن "فاتني" آخر قطار إلى العاصمة من مدينة الجديدة، والساعة بلغت السابعة والنصف مساء، كان ركوب الحافلة إلى الرباط الاختيار الوحيد المتبقي. اضطررت لركوب " الكار" لثاني وأخر مرة في حياتي.



في المحطة الطرقية كل ينتظر قبلته، وكل يحمل حكايته… حكايات البؤس والفقر والبطالة والأمراض والجنائز والمشاكل… وأنا أيضا أحمل أحلامي وهمومي وأسئلتي الوجودية وقضيتي النسائية، أحملها في كتاب "امرأتان في امرأة" لنوال السعداوي و "الجنس الآخر" لسيمون دي بوفوار.

وسط أعين تتربص بي في كل مكان، أنقذتني الحافلة فصعدت لأجد مكانا فارغا ينتظرني في المقاعد الخلفية، وسط كومة من الرجال اخترقت أعينهم ملابسي.

جلست قرب أحدهم بكل ثقة في النفس، ثقة امرأة تدعو للمساواة بكل براءة وجدية..

بدأت أشم رائحة العرق والفقر و"الميزيريا" وعاتبت نفسي قائلة : "ليس لهم ذنب في رائحة لم يختاروها لأنفسهم" وتجاوزت الأمر وأطفأت أزرار حاسة الشم.. وانطفأت بعدها أزرار الأضواء.

لم أجد ما أفعله بعد أن حرموني من السفر عبر صفحات من كتبي. جلست أنتظر مرور الساعتين من الطريق.

بدأت أشم روائح الكبت الجنسي، وروائح مني مخنوق، وأعضاء تناسلية منتصبة تحت السراويل. هربت من الحقيقة وغفوت قليلا.

مرت لحظات وإذا بيد تتحسس الجانب الأيسر من فخذي، وفي أوج الغفوة ودوخة الطريق، قلت: "إن بعض الظن إثم"، ربما من بقربي يبحث عن شيء ضاع منه في حلكة الظلام.. أعادها للمرة الثانية، انتظرت الثالثة لأتأكد أن الفقير ليس دائما مظلوما أو بريئا أو مقهورا.

هذه المرة، وفي غفلة مني، خطف يدي بحركة انتحارية ووضعها فوق جسم غريب ساخن، لم أستوعب الأمر حتى مرت بعض الثواني، لأفهم أنه خطف يدي في لمسة ربما كانت الحاسمة لتساعده على تفجير بركانه بعد أن قذف حمما طيلة الطريق.

استشطت غضبا، أحسست بكل مشاعر العنف والإهانة و"الحكرة"، ومر شريط حياتي في أقل من ثانية.. تذكرت فيها كل موقف دنيء كنت ضحيته.. نظرت إليه لأرى عينيه المحمرتين شبقية وسط الظلام.. فكرت في أن أصفعه، لكني وقفت لتكون الصفعة أقوى وأجمل وأشد صوتا.. وكان له ذلك.

اليد التي أشعرته بالنشوة المسروقة هي نفسها التي أشعرته بألم صفعة أتوقع أنها الأقوى من بين كل صفعات العالم، صفعة مشحونة بحقدي على التخلف والكبت والتحرش والسادية، وتمنيت أن تبقى ملتصقة بوجنته لأتخلص من دنسها. اغتصب يدي وتذكرت لحظتها كل الفتيات المغتصبات في العالم، والنساء المعنفات جنسيا في فراش الزوجية.

الكل سمع صوت الصفعة، وسمع صرخته الرجولية المكتومة… سألني السائق " ماذا هناك؟" بعد أن اتجهت نحوه، فكانت كلمتي الوحيدة "اسألوه ! ".

لم يسأله أحد، الكل فهم ما حدث لكن لم يسأله أحد، هو نفسه انتشى بصفعتي وتسمر في مكانه.

لم ينظر إليه أحد ولم يدافع عني أحد، بل الكل تركه ينزل في محطة الدار البيضاء، وأكملوا طريقهم يحملقون في سروالي الجينز المتمرد، وشعري الأحمر الثائر…

كانت قد مرت ساعتان عن الحادثة وأنا مازلت أغسل يدي وأعيد غسلها بعد كل دقيقة، وكأني أنظف دنسا ارتكبه المجتمع وبقي عارا ملتصقا بيدي.. "اصفعن ، اصفعن، اصفعن ، اصفعن ..".

قصة زهور باقي :  "هسبريس"


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق