أصحاب مقاهٍ مبحوث عنهم من طرف «الأنتربول» وآخرون من ذوي السوابق العدلية بسبب الاتجار في المخدرات
مقاهٍ فارهة شيدت في الشريان النابض للعاصمة الاقتصادية وأخرى انتشرت كالفطر على الشريط الساحلي في «عين الدياب»،
بعض أصحابها من ذوي السوابق العدلية بسبب الاتجار في المخدرات، وآخرون مبحوث عنهم من طرف الشرطة الدولية المعروفة، اختصارا باسم «أنتربول»، إضافة إلى رؤساء فرق كروية معروفة ولاعبين وسياسيين اختاروا بيع دخان «النرجيلة» لتسمين حساباتهم البنكية أو تبييض الملايير وإضفاء شرعية خاصة عليها، حتى يتوارَوا عن أعين المخبرين ورجال الأمن.
مُسيّرو مقاهٍ من جنسيات مختلفة، حُكم على بعضهم بالسجن النافذ وغرامة مالية قدرها 176 مليون سنتيم، بعد أن حُجزت لديهم كميات من «المعسل» المُهرَّب، الذي انتهت مدة صلاحيته.. وآخرون في حالة فرار، بعد أن تناهى إلى علمهم مداهمة محلاتهم وأنهم مبحوث عنهم من طرف الشرطة البلجيكية بتهمة الاتجار الدولي في المخدرات، إضافة إلى أرباب مَقاهٍ مبحوث عنهم من طرف الشرطة الإيطالية بتهم الاتجار في المخدرات وسرقة السيارات منذ سنة 2000..
مقاهي شيشة «5 نجوم»..
فتيات فارعات الطول، ممشوقات القدّ، مستويات ناضجات، في أتمّ جمالهنّ وأوفر أنوثتهنّ، خرجن لكشف تضاريس أجسادهنّ لدقائقَ معدودة قبل دخول مقاهي نرجيلة «5 نجوم»، لا تشملها الحملات الأمنية المناسباتية، زبنائها من «صنف خاصّ»، أغلبهم من المولعين بالليل وصخبه، وآخرون من دول الخليج وبعض الذين فرّوا بجلودهم بعد اندلاع الثورة الليبية..
في قلب الشريط الساحلي «عين الذياب» تتوارى مقهى معروفة لتقديم الشيشا بـ100 درهم للنرجيلة الواحدة، إضافة إلى مشروبات يتجاوز ثمنها كلها 50 درهما.. المقهى عبارة عن فيلا فارهة بأبواب حديدية يتقدّمها «فيدورات» لرصد زبناء المقهى وكل الوافدين الجدد.
الأجواء داخل مقهى «الشيشا» المصنفة في عين الذياب، التي يعلم كثير من روادها أنّ صاحبها حديث الدخول من الديار الإيطالية، لا توحي بأنّ كلفة شرائها حسب عقد بيعها بلغت 5 ملايير سنتيم، فالزبناء لا يتجاوز عددهم العشرة، بينهم 4 فتيات يعرفن جيدا صاحبَ المقهى المُشتبَه في ترويجه المخدرات الصلبة على الصعيد الوطني، إضافة إلى أنه «ريفـُولِي»، أي مُرحّـَل بقرار من السلطات الإيطالية نظرا إلى سوابقه وتعدّد جرائمه.
مقهى آخر «للشيشا» تطلّ واجهته على شارع «لاكورنيش» الشهير، صُبغت جدرانه بالبرتقاليّ، لتثير كل المارين بقربها، سَحبت قبل أشهر رخصتها لترويج الخمور، فتخلـّص منها صاحبها ليكريها بأزيد من 10 ملايين سنتيم للشهر الواحد، بعد أن كانت قيمتها أزيدَ من 30 مليون سنتيم.. تحولت بدورها، إلى «علبة» نهارية تـُقدّم «النرجيلة»، روادها تلاميذ لا حول لهم ولا مال، وفتيات في مقتبل العمر، يدخل أغلبهنّ المقهى بالمجان للرقص أو ربما للتعارف، فالمكان يبقى فضاء لإنشاء صداقات جديدة، وربما غير بريئة..
تجعلك الظلمة الحالكة داخل العلبة النهارية تظنّ أن الساعة قد تجاوزت منتصف الليل بكثير، رغم أنّ آذان العصر لم يمرّ عليه إلا دقائق معدودة.. دخان «الشيشا» يتصاعد إلى السماء و«لابّيست»، أو المكان المخصص للرقص، تزيّنه الأضواء الملونة والأجساد المتمايلة على إيقاعات موسيقى خليجية..
هذه المقهى معروفة، بدورها، بأنها في ملكية رجل أعمال شهير، ويلجونها أغلبُ الزبناء فقط لأنهم يعلمون أنّ لدى الفضاء «مناعة» ضد الحملات الأمنية التي تباشرها، بين الفينة والأخرى، عناصرُ الأمن بتنسيق مع السلطات المحلية..
قدّر مصدر من ولاية المدينة عدد المقاهي المخصصة لتقديم «الشيشا» في الدار البيضاء بأزيدَ من 1200 مقهى، معزيا انتشار ظاهرة «مقاهي الشيشة» إلى الفراغ القانونيّ الذي لا يتضمن عقوبات زجرية يمكنها أن تحُدّ من انتشار الظاهرة، مضيفا أنّ أقصى عقوبة يمكن أن تطال مُروج «الشيشة» هي غرامة تتراوح ما بين 10 و50 درهما، إضافة إلى أنه سرعان ما يتم استرداد المحجوزات، وحتى العقوبات لا تكون قاسية في حق المسؤول عن المقهى.
وفي الوقت الذي تشنّ السلطات الأمنية في عمالة آنفا في مدينة الدار البيضاء، هذه الأيام، حملة تطهيرية ضد مقاهي الشيشة، فقد نزح مستهلكو «النرجيلة» إلى مقاهٍ أخرى أكثرَ آمانا، فيما أصبح أرباب مقاهي النرجيلة يحرصون على منع الفتيات من ارتياد هذه المقاهي خوفا من أن تتم إضافة تـُهم التحريض على الفساد في محاضر الشرطة.
وجد بعض أصحاب المقاهي الصغيرة في مركز المدينة في الحملة الأمنية تضييقا على أرزاقهم، وقرّروا أن يستمروا في العمل بشكل «سرّي»، من خلال استقبال زبائنهم خلف أبواب المقاهي الموصدة في وجه رجال الأمن وبعيدا عن أعين أعوان السلطة.
«الشيشة» في الشريط الساحلي
الطريق من ضريح سيدي عبد الرحمان إلى بداية الشريط الساحلي عين الدياب ممتعة ولا يمكن أن يتسلل إليك فيها الملل أو التعب: واجهات إشهارية، ومقاهٍ تسُرّ طلعتها الناظرين.. كراتٌ حديدية لامعة تزيّن الشارع، وأشجار صغيرة تؤنس الرّاجلين، ومجسم كبير لـ»سندباد»، الذي أصبح رمزا يُميّز «لاكوط».. صوت أمواج البحر يساهم في إنجاح سمفونية جميلة ترقص على إيقاعات ألحانها بعضُ النـّوارس التي بدت وكأنها تحيّي كل زوار الكورنيش في هذا المساء..
مقهى معروفة في أحد الأزقة القريبة من المطعم العالمي «ماكدونالدز» كانت ممتلئة عن آخرها، الكراسي الجلدية الوثيرة ولوحات زيتية تزيّن الفضاء ومجسّم كبير لبَرّاد مغربي يتوسط المقهى، هنا لا يمكن أن تجد في المقهى مكانا شاغرا، عشاق وشباب من مختلف الأعمار.. في جلسات هنا وهناك، المشروبات الغازية والعصائر أهمّ ما يطلبه زبناء المقهى، إضافة إلى نكهات «المعسل» المختلفة. القيمة المضافة للمقهى، التي يعلم الكثير من روادها أنها في ملكية لاعب دولي سابق، زودها بتقنية «البلوتوت» حتى يتسنى للمهووسين بالإبحار عبر الشبكة العنكبوتية أن يستخدموا حواسيبهم وهواتفهم المحمولة مجانا..
شغـّلتُ، بدوري، تقنية «البلوتوت» في هاتفي المحمول، فلم أجد غيرَ أسماء خليجية كجاسم وأحمد العوصي، وأرقام هواتف لفتيات بأسمائهنّ، يؤمِنّ بلغة العيون والتحرّش السري المتطور، الممزوج بدخان «النرجيلة».. جعلني فضولي أبحثُ عن ملامحَ خليجية في المقهى، غير أني لم أعثر عليها، فربما يكون في المقهى خليجيون فطنوا إلى أنّ لباسهم وتسريحة شعرهم تجلب لهم الويلات أكثر في الشريط الساحلي فاستطاعوا أن ينتحلوا صفة «بيضاويين» لا يمكن أن تميّزهم عن غيرهم..
يظهر من شكل المقهى، التي تقدّم «النرجيلة» في قنينات كريسطال يتجاوز ثمن الواحدة منها 1500 درهم، وتتوسطها موائد تقليدية زُخرفت بالنحاس الخالص، أنها كلفت صاحبَها الشيء الكثير وأنّ مردود دخان «الشيشا» لن يُعوّضه عن خساراته الكبيرة من أجل أن يجعل مقهاه واحدة من بين المقاهي المُصنـّـَفة..
كشف مصدر أمني لـ«المساء» أنّ أزيدَ 20 مقهى تقدم «الشيشا» في حيّـَيْ «غوتيي» و«المعاريف» وفي بعض الأحياء الشعبية، كمولاي رشيد، أصحابها من ذوي السوابق العدلية في ميدان الاتجار في المخدرات، إذ سبق أن جرى إيقاف بعض مالكي المقاهي والمُسيّرين ومجموعة من المشتبَه بفيهم، حيث تـُحرَّر في الغالب محاضر ضد المُسيّرين بتـُهم «حيازة بضاعة بدون سند»، بسبب حجز كميات مهمّة من «المعسّل» المهرب والنرجيلات المهربة، ما يُعرّضهم لغرامات مالية «ثقيلة» من طرف إدارة الجمارك، كما وقع لمسيّر مقهى مصريّ حُكم عليه بثلاثة أشهر حبسا نافذا وغرامة قدرها 176 مليون سنتيم.. إضافة إلى صاحب مقهى آخر في منطقة «غوتيي» طالبته الجمارك بأداء 120 مليون سنتيم، بعد أن حُجـِزت لديه كميات من «المعسل» المهرب انتهت مدة صلاحيته، بعد أن تبيّـَن أنه يعمد إلى بيع «المعسل» بالتقسيط..
غالبا ما كانت العناصرُ الأمنية، وهي تقود حملتها، تلقي القبض على المُسيّرين قبل أن يجريّ استدعاء المُلاك، باعتبارهم المسؤولين الأوائل عن المقهى، كما حدث بالنسبة إلى مقهى شهير في منطقة «غوتيي»، حيث فرّ صاحب المقهى إلى وجهة غير معلومة مباشرة بعد أن تناهى إلى علمه مداهمة محله، قبل أن يتم تنقيطه عبر الناظم الآلي، لتفاجَأ العناصر الأمنية بكون هذا الشخص مهاجرا سابقا، ومطلوبا من طرف «أنتربول» والشرطة البلجيكية بتهمة الاتجار الدولي في المخدرات، وأنه سبق له أن قضى عقوبات حبسية متعددة بالتهمة نفسِها داخل السجون البلجيكية.
وأفادت المصادر ذاتها أنّ مالك مقهى آخر في منطقة «المعاريف» يوجد في حالة فرار، بعدما اكتشفت العناصر الأمنية أنه مبحوث عن من طرف «أنتربول» والشرطة الإيطالية بتـُهم الاتجار في المخدرات وسرقة السيارات منذ سنة 2000..
مقاهي «الشيشة» المصنفة، والتي يقال عن أصحابها الشيءُ الكثير لا تقدّم قنينات النرجيلة العادية أو حتى «المعسل» التقليدي، فأحياء راقية، مثل «غوتيي» و«عين الدياب»، تستقبل زبناء من «نوع خاص» وبعض السياح الذين تستهويهم نكهات مبتكـَرة تقدَّم في «شيشات» غير عادية، ويستمتعون بطلب توليفة «شيشة» غريبة.. فإذا أراد الزبون «شيشة» بنكهة البرتقال قـُدِّمت له في برتقالة مُجوَّفة، وكذلك الأمر إذا طلبها بنكهة الشمّام (البطيخ الأصفر) أو بنكهة «معسّل الباشا»، لتشمل جميع أنواع الفاكهة تقريبا، بدءا بالتفاح والفراولة (الفريز) مرورا بالورد والعنب، وصولا إلى النعناع.. أو نكهة «الباناشي»، الذي يحتوي على نكهات غريبة مُخدّرة لا يعلمها إلا متناولوها، فيما ارتأت مقاهٍ أخرى تقديمَ الشيشة حسب الحجم الذي يرغب فيه الزبون، فتكون «Small» أو «Medium» أو «Large».. تماما كمقاييس الشباب، حيث تتم ترجمة ذلك إما بطولها الفارع أو بقصرها الزّائد..
وقال أكثرُ من زبون لـ«المساء» إنّ مقاهي «الشيشة» المصنفة لا تشملها الحملات التمشيطية، علما أنّ شبهات كثيرة تحوم حول أصحابها، ففي مقهى معروف في الدار البيضاء، يبدو لك الأمر من الوهلة الأولى وكأنك داخل خيمة في دمشق أو بيروت، لأنّ صاحبها استغلّ الفضاء لينصب خيمة مُلحقة بمقهاه الشهيرة، التي تزداد فيها «الشيشة» شعبية يوما بعد آخر، ويتزايد الإقبال عليها بشكل كبير، خاصة من قِبَـل التلميذات والطالبات.
المقهى صغيرة وروادها مصنفون، تستغلّ مساحة شاسعة من الملك العمومي لنصب خيمة تعتبر «ملحقة» تابعة للمقهى.. فتيات يملكن من الجميل نصيبا وافرا توزَّعن على جنبات المقهى، ينتشين بدخان «الشيشة» المتصاعد إلى السّماء..
جعل عدم وجود أي مكان شاغر نادل المقهي يطلب منا بلباقة الجلوسَ قرب بعض الفتيات، على أن نشاركهنّ مائدتهنّ، التي ضمّت كؤوس القهوة السوداء فقط..
أربعة فتيات جلسن في زاوية المقهي، بينهنّ قاصرات كنّ يرتدين تنانير تكشف «تضاريس» أجسادهنّ، وفي رفقتهنّ شخصان يبدو من خلال ملامحهما أنهما من إحدى دول الخليج..
كانت الفتيات اللواتي تطفلنا على جلستهنّ الحميمية يتكلمن عن أربعة خليجيين ضُبطوا متلبسين، رفقة خمس فتيات «بيضاويات»، بممارسات جنسية غير شرعية في ثلاث شقق مفروشة في بوركون، بعد مداهمتها من طرف رجال الأمن، قالت إحدى الفتيات إنّ وسيطا بلـّغ عنهنّ انتقاما منهنّ لعدم دفعنّ «الأتاوة» الأسبوعية له..
كانت الفتاة تتكلم عن المتهمات بأسمائهنّ، لأنهنّ يعرفنهن جميعهنّ، مضيفة أنهن اعتقلن رفقة خليجيين، وحُجزت داخل الشقة قنينتان من الخمر وعوازل طبية.. كما اعتقل خليجي آخر رفقة فتاة قاصر، في شقة أخرى، مُتلبّسَين بتبادُل القـُبَل والمداعَبات، ويستعدان لممارسة الجنس..
بعد حديث الفتيات، اللواتي ينتشين بتدخين «الشيشا» ويطلبن من «الجميري» المواظبة على زيارتهنّ، بلغة بهجاوية «واشْ نتا ما بيتيش تـْشوفنا»، علمنا أننا نجلس قرب عاهرات محترفات يتخذن من المقهى المذكورة محطة أولى لبداية مشوار ليليّ طويل لا ينتهي إلا بعد أن تعلن العلب الليلية في عين الدياب نهاية سهراتها..
مقاهي «الشيشة» في حزام الفقر
أمام مقهى يقيم صاحبها في عاصمة إيطاليا لسنوات طويلة، تتوزع على الرصيف طاولاتٌ وكراسٍ غيرُ مرتبة، تضطرّ إلى المرور بينها، قبل ولوج المقهى، ما يشير إلى أنّ صاحب هذا المقهى لا يولي أيَّ أهمية لزبائن المشروبات الغازية أو الساخنة..
قبل ولوج بوابة المقهى، أو على الأصح «مغارتها»، خصّص «مهندس» المقهى جزءا كبيرا من الرّصيف لإعداد الجمر، الذي يوضع على رؤوس قارورات «الشيشة»، المتضمّنة للتفاح أو عرق سوس، أو خليط بين النوعين، أو كل أنواع «المعسّل»، حسب نادل في المقهى.
عند ولوج بوابة المقهى، التي لا تفصلها سوى أربعة أمتار عن المركز التربوي أبو العلاء المعرّي، تتخيل نفسَك أنك ولجت مغارة هرقل في طنجة.. غير أنّ أصحاب المقهى حرصوا على أن تكون «مغلقة»، إلا من نوافذ للتخفيف من رائحة الشيشة ودخانها، فيما المغارة «منفتحة» على البحر..
«مغارة» موزّعة إلى مغارات، وحتى المطبخ والمرحاض هما أيضا على شكل مغارة.. تتحلق كل مجموعة من الزبائن على طاولة، ورغم أنّ الزيارة كانت مساء يوم سبت فلم يكن الإقبال على هذه المقهى بالشكل الذي صور لنا.. ثلاثة شباب جلسوا لوحدهم في مغارة فيها طاولتان، وأربعة آخرون في طاولة في مغارة أخرى قرب «الكونتوار»، وإلى جانبهم شابان برفقة فتاتين.. التقطت أذناي أنّ إحداهما كانت «محرومة» من الخروج حين كانت صغيرة، وحرّم عليها أهلها حتى زيارة صديقاتها، ويوم غامرت ورافقت زميلة لها، تربّصَ بها والدها و»جرجرها» من شعرها لمسافة طويلة، «يجفف» بها الأرض.. وها هي اليوم قد أدمنت «شرب» الشيشة، كما تشرب الماء وتتنفس الهواء..
لا تختلف باقي المغارات الأخرى عن هذا الحضور، أي في المجموع حوالي 40 زبونا في 3 مقاهٍ.. أرجع شاب هذا العزوف إلى حملة المداهمة التي نظمتها المصالح الأمنية، مؤخرا، ضد بعض مقاهي الشيشة، حيث حجزت القارورات، واعتقلت الرواد، مشيرا إلى أنّ صاحب المقهى لا يهمّه مدخول المقهى بقدْر ما يهمه استمرار نشاطها لأنها بمثابة ستار يُخفي أنشطته الأخرى المحظورة..
في جانب آخر، جلست فتاة منعزلة، الوحيدة التي تدخّن سيجارة، بدل الشيشة، في انتظار زبون يؤدي ثمنَ مشروبها، وينادي على «رأس» شيشة..
أمعنتُ النظر جيدا في قنينات الشيشة، لعلي أكتشف سائلا آخرَ يُستعمل فيها بدل الماء، مثل الجعّة أو الويسكي، مثلما يرُوج بقوة عن المقهى، وأطلقتُ العنان لحاسة الشمّ، لعلي أكتشف حقيقة هذه المقهى، التي ذاع صيتـُها بأنها تضع «الحشيش» بدل «المعسّل»، لكنْ لم أرَ سوى الماء، ولم أشمَّ شيئا غير تفاح وعرق سوس.. أما «العنب» فهو غائب عن هذه المقهى، بسبب غلائه..
تعليمات ولائية لمداهمة مقاهي «الشيشة» المصنفة
كشف تقريرٌ أمنيّ أنّ المداهمات التي نفـّذها رجالُ الأمن خلال الأيام الأخيرة لعدد من المقاهي أوضحت أنّ شبهات تحوم حول بعض الأشخاص المُشتبَه فيهم، حيث تـَبيّـَنَ من خلال مظاهر الفخامة والبذخ اللامتناهي لفضاءات المقاهي التي يمتلكونها، أنّ الأمر يتعدّى أن يكون نشاطا تجاريا عاديا.. إثر التـّقرير أمر والي أمن الدار البيضاء بشنّ حملات أمنية خاصة تستهدق مقاهي «الشيشة» المصنفة والتحرّي عن بعض مالكي المقاهي المذكورة، على خلفية الاشتباه في تورّطهم في شبكات لتبييض الأموال واتخاذ هذا النوع من النشاط غطاء لذلك..وجاء القرار الولائي مباشرة بعد أن حجزت المصالح الأمنية خلال مداهمة بعض هذه المقاهي العشرات من النرجيلات الفاخرة المصنوعة من زجاج الكريستال، والتي تتعدى قيمة الواحدة منها 1500 درهم، كما عاينت العناصر الأمنية زخرفات ونقوشاً من معادن الفضة والنحاس رصعت بها أثاثها من الكراسي والطاولات، بل حتى جدرانها في بعض الأحيان.. إلى جانب ضبط عدد من الأدوات باهظة الثمن مُستعمَلة في تأثيث المكان.
وخوفا من أصحاب مقاهي «الشيشة» المصنفة الذين غالبا ما يربطون علاقات مع بعض رجال الأمن، بل ويعلمون بتوقيت الحملات التمشيطية وحملات مداهمة مقاهي «الشيشة» عمد والي الأمن إلى مفاجأة المسؤولين الأمنيين باجتماع موسع يجري فيه توزيع أظرفة تحمل أسماء مقاهٍ معروفة في أحياء راقية، إذ نجحت الخطة وأغلقت 4 مقاهي «فاخرة»، وجرى التحقيق مع مالكيها، الذين يُشتبَه في علاقتهم مع شبكات لترويج المخدرات، كما يُشتبَه في شرائهم مقاهيَّ «الشيشة» المصنفة كغطاء لتبييض أموالهم..
وأسفرت الحملة، التي كان ورائها والي أمن الدار البيضاء عن مداهمة 16 مقهى للشيشة معروفة في قطاعات درب عمر وبنجدية ورحال المسكيني، إضافة إلى المعاريف ووسط المدينة القديمة في الدار البيضاء.
وغالبا ما تستثني الحملات الأمنية أصحاب الفنادق، التي تتوفر على ملاه ليلية تقدم «الشيشة»، إذ يوجد فندقان معروفان في «عين الدياب» يُقدّمان النرجيلة في واضحة النهار، وسبق أن أدين صاحب أحد الفندقين في ملف الكحول الفاسدة..
أوقفت مصالح الأمن خلال هذه المداهمات ما يقارب 340 شخصا، بينهم 15 مجرما مبحوثا عنهم في قضايا مختلفة، كما حجزت خلالها قرابة 30 كيلوغراما من «المعسّل» المهرب إلى جانب ما يفوق 540 نرجيلة.
وأدت المداهمات إلى فرار عدد من أرباب مقاهي «الشيشة» إلى وجهات مجهولة، تاركين المُسيّرين في مواجهة رجال الأمن، كما تبيّنَ من خلال التنقيط أنّ عددا منهم هم من ذوي السوابق القضائية أو مبحوث عنهم.
وقال مصدر أمني لـ«المساء إن عددا من أرباب المقاهي «الفاخرة» يهدفون إلى إضفاء الصفة الشرعية على العمليات التى تنطوي على كسب أموال أو حيازتها أو التصرف فيها أو إدارتها أو حفظها أو التلاعب فى قيمتها، إذا كانت مُتحصّـَلة من جرائم مثل الاتجار في المخدرات أو النصب وخيانة الأمانة والتدليس.
واعتبر المصدر نفسه أنّ مُبيّضي الأموال يعمدون إلى التخلص من كمية كبيرة من الأموال غير الشرعية بأساليب مختلفة، إما بإيداعها في أحد البنوك أو المؤسسات المالية أو عن طريق تحويل هذه الأموال إلى عملات أجنبية، أو عن طريق شراء سيارات فارهة وعقارات مرتفعة الثمن ومقاه فاخرة لتقديم «الشيشة»، يسهل بيعها والتصرّف فيها بعد ذلك..
وأضاف المصدر نفسُه أنّ مرحلة إيداع الأموال هي أصعب مرحلة بالنسبة إلى مَن «يغسلون» الأموال، حيث إن الاخيرة تكون عرضة لاكتشافها من طرف الأمن، خاصة أنها تتضمن في العادة كميات كبيرة جدا من الأموال السائلة، إذ إنّ التعرف على من أودع هذه الأموال ليس بالأمر العسير، ومن ثم تبيّـُن علاقته بمَصدر هذه الأموال..
أرقام صادمة وحملات أمنية مناسباتية
بلغة الأرقام، أسفرت الحملات التي تشنـّها مصالح الأمن في ولاية الدار البيضاء، خلال الثلاثة أشهر الأخيرة، عن اعتقال 3500 شخص، بينهم 1400 شابة و180 قاصرا، أطلق سراح أغلبهم، في حين، تابعت النيابة العامة 520 شخصا في حالة اعتقال. وتمكن رجال الأمن في العاصمة الاقتصادية من حجز 25 ألف نرجيلة ولوازمها وكميات وُصفت بالمهمّة من مادة «المعسّل» والفحم.
وتواصل المصالح الأمنية، بتنسيق مع السلطات المحلية، حملاتها ضد هذه المقاهي، وذكر مصدر مطلع أنّ هذه الحملات لا تكتسي طابعا موسميا ولا تقتصر فقط على بعض المحلات، بل شملت وتشمل كل المحلات التي تنشط في هذا المجال، وبشكل فجائيّ ودون أي استثناء.
وبينما قال مصدر من ولاية الدار البيضاء إنّ عدد المقاهي المتخصصة في تقديم النرجيلة لزبنائها يفوق 1000 مقهى، تحدّثت مصادر غير رسمية عن وجود أزيدَ من 3000 مقهى لـ»الشيشة»، معظم روادها من القاصرين، وتشكل الشابات نسبة مهمّة منهم.
وكانت سلطات الدار البيضاء قد أصدرت مؤخرا قرارا ولائيا لمنع الشيشة في فضاءات معيّنة لا تحترم الشروط والمعايير المعروفة، وهو القرار الذي يُلزم ممثلي السلطة بالسهر على تطبيق القانون وحماية الملك العمومي والأخلاق العامة. ورغم سحب رُخص استغلال من بعض المقاهي وحجز كميات من «الشيشة» واعتقال بعض «المتلبسين» بتدخينها، فإنّ إخلاء سبيل المعتقلين من طرف النيابة العامة جعل القرار الولائيَّ حبيسَ الرفوف، إذ لم يُفعَّل بالشكل الكافي.
وأرجع مسؤول في ولاية الدار البيضاء انتشار المقاهي المتخصصة في تقديم «الشيشة» إلى فراغ قانونيّ، لا يتضمن عقوبات زجرية، من شأنها أن تحُدّ من استفحال الظاهرة، على اعتبار أنّ أقصى عقوبة يمكن أن تمسّ مروج «الشيشة» هي أداء غرامة تتراوح بين 10 و50 درهما!..
وحسب مصدر في ولاية جهة الدار البيضاء الكبرى، فإنّ السلطات تابعت إداريا وقانونيا 450 مقهى لم تحترم منع تدخين «الشيشة»، مشيرا إلى أنّ إحساس السلطات بخطورة استهلاك «الشيشة» جعل ولاية المدينة تصدر قرارا يمنع تداولها في المقاهي.
وتضمن تقرير صادر عن مندوبية وزارة الصحة في المدينة معطيات صادمة، إذ أشار إلى أنّ تدخين «شيشة» واحدة يعادل تدخين ما بين 20 و30 لفافة تبغ، وقد يتضاعف الرقم بالنظر إلى مساحة فضاء الاستهلاك وعدد المدخنين ومدى توفره على منافذ للتهوية.وتمكنت السلطات المحلية من سحب أكثر من 20 رخصة كإجراء أوليّ، وتراوحت مدة سحب الرخصة بين شهر واحد و3 أشهر في حق المخالفين.
تعرف على أحسن الاماكن مقهى شيشة الدار البيضاء
ردحذف